بدون مؤاخذة- داعش والحرب الكونية في سوريا

ب

يثير التحالف الذي شكّلته وتقوده أمريكا لمحاربة “داعش” والمكوّن من أربعين دولة عربية وأجنبية ومن ضمنها حلف الناتو العديد من الأسئلة، فهل داعش وحلفاؤها من تنظيمات الاسلام السياسي تشكل دولة عظمى في مختلف المجالات بحيث أنّها تهدّد أمن أمريكا وحلف النّاتو؟ وبالتالي فهي بحاجة الى هذا التحالف الدّولي لمواجهتها؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل أمريكا أو أيّ دولة أخرى غير قادرة على مواجهة داعش؟ والعودة قليلا الى الوراء قد تقودنا الى قراءة حقيقة ما يجري، فالحشد الذي تمّ قبل اكثر من ثلاث سنوات لاشعال نار الفتنة لتدمير الجيش السوري وانهاكه، وتدمير سوريا وقتل شعبها لم يكن عفويّا، ولم يكن من قوى معارضة سوريّة، وهل هذا الحشد لمدّعي “الجهاد” من حوالي مئة دولة الذين دخلوا الأراضي السورية لتدميرها وقتل شعبها كان أمرا عفويا، أو قدرا إلهيا؟ فكيف تمّ تجميع من يدّعون الاسلام من دول تحارب الاسلام والمسلمين كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وبقية دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو؟ وهل جاؤوا الى سوريا من وراء حكوماتهم ودون علم مخابرات هذه الدّول؟  ومن أين انطلقوا؟ ومن قام بتدريبهم وتمويلهم بالسلاح والمال؟

واذا ما افترضنا حسن النوايا، وتساوقنا مع المتأسلمين الجدد بأن هناك صحوة اسلامية، وأن دولة الخلافة الاسلامية قادمة من جديد، فهل أمريكا وحلف الناتو وحلفاؤهم ومال البترول العربي غير قادرين على مواجهة داعش وحلفائها؟

وقبل الاجابة على هذه الاسئلة دعونا نعود مرّة أخرى الى الوراء، لنرى كيف أن أمريكا وحلفاءها استغلوا العاطفة الدينية عند الشعوب العربية كي يصفقوا للحرب على العراق والتي وصلت ذروتها في آذار –مارس- باحتلال العراق وتدميره وقتل وتشريد شعبه، فقد انتشرت في الأسواق والمساجد في العالم العربي كتب “دينية” مؤلفوها يضعون أمام أسمائهم لقب” الدكتور” أو الدكتور العلامة….” ومنها كتاب “الاسلام والحرب الكونية الثالثة” وهو كتاب لا يحمل اسم دار نشر، وفيه تفاسير خاطئة لبعض الآيات القرآنية، وأحاديث موضوعة تفيد بأن قائدا مسلما اسمه “صادم” سيحرر فلسطين، وسيصلي في المسجد الأقصى، وأنه سيهزم “بلاد الأمريك” كما ورد في الكتاب، وأن صورته ستظهر على وجه القمر، ووجدنا من يصدق ذلك ويقسم بأنه قد رأى صورة الرئيس العراقي صدّام حسين على وجه القمر، وتمّ دمير العراق واحتلاله وقتل شعبه والعربان يصفقون للنصر الموعود، وللامبراطورية العربية الاسلامية القادمة. والويل والثبور لمن عارض ذلك أو نبّه من مخاطره. وكان وضع هؤلاء كحالة الامام الشافعي عندما قال:” ما جادلني عالم إلا غلبته، وما جادلني جاهل إلا غلبني.” وانتصر الجهل على الحكمة وحصدنا هزيمة ماحقة. ونحن نستذكر ذلك عندما نرى من يصفق لداعش – رغم وحشيتها في قتل المسلمين وغير المسلمين- ويرى فيها تنفيذا لوعد وقضاء إلهيّ لا رادّ له. وأنهم متأكدون من أن أمريكا وحلف الناتو ستنهار أمام داعش وأخواتها لأن “الملائكة تحارب معهم”! وأن الوقت قد حان لاقامة دولة الخلافة الاسلامية من جديد لتنشر العدل والسلام وتقضي على الكفر وعلى الكفار!

ويلاحظ أن التحالف الكوني لتدمير سوريا قد سبق التحالف لمحاربة داعش، وذلك بتجنيد المتأسلمين من عشرات الدّول بما فيها أمريكا، وزجّهم في أتون الحرب القذرة الدائرة في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات، وواضح أن أمريكا قد نجحت بامتياز “بأسلمة” الحرب في سوريا والعراق وليبيا واليمن، والى حدّ ما في مصر وغيرها.  والهدف طبعا هو تنفيذ المشروع الأمريكي” الشرق الأوسط الجديد” لإعادة تقسيم المنطقة العربية الى دويلات طائفية متناحرة. فالدّم العربي المسلم هو المسفوك في سوريا، والبلدان العربية هي من يجري تدميرها، والمال العربيّ هو من يموّل هذه الحروب، وسيتبع عملية تقسيم الدول العربية أو سيصاحبها تصفية القضية الفلسطينية لصالح المشروع الصهيوني التوسعي، ولن يصحو العربان والمتأسلمون حتى بعد أن يجدوا أنفسهم “حطابين وسقائين” للغرباء.

واذا كانت أمريكا تحارب في تحالفها الكوني الجديد داعش وأخواتها، فهل هي عاجزة عن القضاء عليها أو لجمها؟ ولنلاحظ أن داعش لا تزال تتقدّم وتوسع نفوذها في سوريا والعراق، رغم الغارات الجوية لدول التحالف، وهي غارات محدودة بالطبع، وهذا على غير عادة الحروب الأمريكية التي تقوم على نظرية كثافة النيران وقوّة التدمير الهائلة لإثارة الرّعب. ونلاحظ أيضا أن داعش تتمدّد في المناطق السنية في سوريا والعراق تمهيدا للتقسيم الطائفي، وللتمهيد للتحالف الدولي الجديد فقد استهدفت المسيحيين العرب، والأزيديين، وبعض المناطق الكردية مع أنّ الأكراد في غالبيتهم من أهل السّنّة، وبالتالي فقد أوجدت الأرضية الصلبة للتدخل الأجنبي مدعوما من شعوب دوله التي لا توافق بالتأكيد على أفعال داعش، وقد بدأت تظهر في وسائل الاعلام تصريحات لعسكريين تقول بأن سلاح الجوّ والقذائف الصاروخية غير قادرة على حسم المعركة، وهذا يعني التمهيد لتدخل قوات برّية، وهذا ما قاله أخونا في الاسلام الطيّب أردوغان الذي يريد دخول الجيش التركي الى الأراضي السورية، لعمل منطقة عازلة عن حدود بلاده. وستتبعه تدخلات أخرى لفرض التقسيم، وسيقضون على “رعاع المجاهدين” بينما سيكون لقادتهم شأن آخر.

9-10-2014

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات