رواية الشمس تولد من الجبل في اليوم السابع

ر
القدس: 18-9-2014 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية”الشمس تولد من الجبل” للكاتبين موسى الشيخ ومحمد البيروتي عام 2012 وقد الرواية عن مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس، وتقع في 304 صفحات من الحجم المتوسط.
وقال جميل السلحوت:
أدبيات السّجون:
الكتابة عن التجربة الإعتقالية ليست جديدة على الساحة الفلسطينية والعربية وحتى العالمية، وممن كتبوا بهذا الخصوص: خليل بيدس صاحب كتاب”أدب السجون” الذي صدر بدايات القرن العشرين، زمن الانتداب البريطاني، وكتب الشيخ سعيد الكرمي قصائد داخل السجون العثمانية في أواخر العهد العثماني، كما كتب ابراهيم طوقان قصيدته الشهيرة عام 1930تخليدا للشهداء عطا الزير، محمد جمجوم وفؤاد حجازي، وكتب الشاعر الشعبي عوض النابلسي بنعل حذائه على جدران زنزانته ليلة إعدامه في العام 1937 قصيدته الشهيرة” ظنيت النا ملوك تمشي وراها رجال”  وكتب الدكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن الماضي(أوراق سجين)كما صدرت مجموعة قصص(ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمد خليل عليان في بداية ثمانينات القرن الماضي، و”أيام مشينة خلف القضبان” لمحمد احمد ابو لبن، و”ترانيم من خلف القضبان” لعبد الفتاح حمايل ، و”رسائل لم تصل بعد” لعزت الغزاوي ، وقبل”الأرض واستراح” لسامي الكيلاني، و”نداء من وراء القضبان، “و(الزنزانة رقم 706) لجبريل الرجوب، وروايات “ستائر العتمة” و “مدفن الأحياء”و”أمهات في مدفن الأحياء”وحكاية(العمّ عز الدين) لوليد الهودلي،و”رسائل لم تصل بعد” ومجموعة”سجينة”للراحل عزت الغزاوي و(تحت السماء الثامنه)لنمر شعبان ومحمود الصفدي، و”أحلام بالحرية”لعائشة عودة، وفي السنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عن ذكرياته في الأسر، وفي العام 2005صدر للنائب حسام خضر كتاب”الاعتقال والمعتقلون بين الإعتراف والصمود” وفي العام 2007 صدرت رواية “قيثارة الرمل” لنافذ الرفاعي،  ورواية”المسكوبية” لأسامة العيسة، وفي العام 2010 صدرت رواية”عناق الأصابع” لعادل سالم، وفي العام 2011 صدر”الأبواب المنسية” للمتوكل طه، ورواية “سجن السجن” لعصمت منصور،وفي العام 2012 صدرت رواية”الشمس تولد من الجبل لموسى الشيخ ومحمد البيروتي” كما صدر قبل ذلك أكثر من كتاب لحسن عبدالله عن السجون ايضا، ومجموعة روايات لفاضل يونس، وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن.  وفي العام 2013صدر كتاب”الصمت البليغ” لخالد رشيد الزبدة، وكتاب نصب تذكاري لحافظ أبو عباية ومحمد البيروتي” وفي العام 2014 رواية”العسف” لجميل السلحوت.
وأدب السجون فرض نفسه كظاهرة أدبية في الأدب الفلسطيني الحديث، أفرزتها خصوصية الوضع الفلسطيني، مع التذكير أنها بدأت قبل احتلال حزيران 1967، فالشعراء الفلسطينيون الكبار محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم تعرضوا للاعتقال قبل ذلك وكتبوا أشعارهم داخل السجون أيضا، والشاعر معين بسيسو كتب”دفاتر فلسطينية” عن تجربته الاعتقالية في سجن الواحات في مصر أيضا.
كما أن أدب السجون والكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة منذ القدم عربيا وعالميا أيضا، فقد كتب الروائي عبد الرحمن منيف روايتي”شرق المتوسط” والآن هنا” عن الاعتقال والتعذيب في سجون دول شرق البحر المتوسط. وكتب فاضل الغزاوي روايته” القلعة الخامسة” وديوان الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم”الفاجوجي”.ومنها ما أورده الأستاذ محمد الحسناوي في دراسته المنشورة في مجلة”أخبار الثقافة الجزائرية” والمعنونة بـ”أدب السجون في رواية”ما لاترونه”للشاعر والروائي السوري سليم عبد القادر
وهي (تجربة السجن في الأدب الأندلسي- لرشا عبد الله الخطيب ) و ( السجون وأثرها في شعر العرب.. –لأحمد ممتاز البزرة ) و( السجون وأثرها في الآداب العربية من الجاهلية حتى العصر الأموي- لواضح الصمد )  وهي مؤلفات تهتم بأدب العصور الماضية ، أما ما يهتم  بأدب العصر الحديث ، فنذكر منها : ( أدب السجون والمنافي في فترة الاحتلال الفرنسي – ليحيى الشيخ صالح ) و( شعر السجون في الأدب العربي الحديث والمعاصر – لسالم معروف المعوش ) وأحدث دراسة في ذلك كتاب “القبض على الجمر – للدكتور محمد حُوَّر”
أما النصوص الأدبية التي عكست تجربة السجن شعرا أو نثرا فهي ليست قليلة، لا في أدبنا القديم ولا في الأدب الحديث: نذكر منها ( روميات أبي فراس الحمداني ) وقصائد الحطيئة وعلي ابن الجهم وأمثالهم في الأدب القديم. أما في الأدب الحديث فنذكر: ( حصاد السجن – لأحمد الصافي النجفي ) و (شاعر في النظارة : شاعر بين الجدران- لسليمان العيسى ) و ديوان (في غيابة الجب – لمحمد بهار : محمد الحسناوي) وديوان (تراتيل على أسوار تدمر – ليحيى البشيري) وكتاب (عندما غابت الشمس – لعبد الحليم خفاجي) ورواية “خطوات في الليل – لمحمد الحسناوي”.
كما يجدر التنويه أن أدب السجون ليس حكرا على الفلسطينيين والعرب فقط ، بل هناك آخرون مثل شاعر تركيا العظيم ناظم حكمت، وشاعر تشيلي العظيم بابلونيرودا، والروائي الروسي ديستوفسكي في روايته”منزل الأموات” فالسجون موجودة والتعذيب موجود في كل الدول منذ القديم وحتى أيامنا هذه، ولن يتوقف الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
الشمس تولد من الجبل:
لعل ستة الأسطر التي كتبها محمد البيروتي في مدخل الكتاب تغني عن قول الكثير فيما يتعلق بهذه الرواية، والتي كثف فيها أزمة التأريخ لمسيرة الشعب الفلسطيني المعاصرة، ولفت فيها الانتباه الى أن ما كتب حتى الآن “سيرة انحصرت في الذات” ويضيف البيروتي:”هذه محاولة لإضفاء مزيد من الضوء عبر النبش في ذاكرة عريف في جيش التحرير عايش قطاعا محددا من أحداث اتسمت بالبطولة والتضحية”.ص4. وهذا أيضا يدعو إلى التساؤل حول من كتب هذه الرواية؟ هل هو موسى الشيخ وحده، أم أن محمد البيروتي اشترك معه في كتابتها؟ وإذا ما اشترك الاثنان في كتابتها فلماذا اعتبرها البيروتي”ذاكرة عريف في جيش التحرير”؟ أم أنّ موسى الشيخ قد نبش ذاكرته، واستعاد أحداثا وقعت معه وشاركه البيروتي في صياغتها، لتخرج إلى القارئ بين دفّتي هذا الكتاب، وهذا ما أميل إليه بعد قراءة “الرّواية” التي هي عبارة عن جوانب من السيرة الذاتية لكاتبها؟ لكنّها في الأحوال كلّها صدرت باسميهما ونحن نحترم ذلك، وإن كان من حق القارئ أن يتساءل كيفما يشاء، وهذا لا ينتقص من قيمة هذا العمل، بل إن التساؤلات تكون في صالحه.
المضمون: الرواية عبارة عن جوانب من السّيرة الذاتية لمناضل فلسطيني، ركّز فيها على طفولته منذ ولادته في قرية عقربا قضاء نابلس، وعمله في الزراعة والكسّارات في طفولته، ثم هجرته إلى الكويت ليعمل هناك، والتحاقه بحركة القوميين العرب، ثم التحاقه بجيش التحرير الفلسطيني، وتدريبه في معسكرات الجيش العراقي، ثم التحاقه بالثورة الفلسطينية كمقاتل في صفوف الجبهة الشعبية التي تشكلت بعد حرب حزران 1967 كذراع عسكري لحركة القوميين العرب، ثم انتقاله الى صفوف حركة فتح بعد معركة الكرامة في 21 آذار-مارس- 1968. ليكتب لنا عن مشاهداته وذكرياته عن مشاركاته ومشاركة غيره في أعمال مقاومة الاحتلال، إلى أن وقع أسيرا بعد معركة ضارية، لينتقل النضال من ساحات القتال إلى خلف القضبان في سجون الاحتلال، حتى تحريره في صفقة تبادل الأسرى عام 1985.
أهمية هذا العمل: تنبع أهمية هذا العمل أنّه يسجل لبداية انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، من خلال شخص شارك فيها، وهو هنا يكتب مشاهداته وذكرياته التي عاشها وعايشها، تماما مثلما سجّل وإن بشكل سريع عن حياة الريّف الفلسطيني، من خلال ما كتبه عن طفولته في قريته عقربا قضاء نابلس، وهي قضية مهمة أيضا، خصوصا وأن الدراسات عن الحياة الاجتماعية في فلسطين تكاد تكون معدومة. والرواية هنا لم تكتب تاريخ الثورة الفلسطينية، بل كتبت شيئا من هذا التاريخ عايشه الكاتب أو كاتبا هذا العمل. كما أنّها تسجّل أيضا عن معاناة الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال بمرحلة بدايات الاحتلال.
وهناك جوانب لافتة في هذا التأريخ لا يعرفه كثيرون ممّن لم يعايشوا تلك المرحلة، أو حتى عايشوها لكنهم لم يشاركوا في أحداثها، ومنها على سبيل المثال أن حركة فتح هي الفصيل الفلسطيني الوحيد الذي خاض معركة الكرامة وبقرار من قيادتها، وتحديدا بقرار من رأس حركة فتح الراحل ياسر عرفات. في حين أن هناك أفرادا من تنظيمات أخرى شاركوا في المعركة طواعية منهم وفي مخالفة واضحة لأوامر قياداتهم، كما تتحدّث عن المشاركة البطولية للجيش الأردنيّ في تلك المعركة. ومثال آخر هو مشاركة الأمير الكويتي فهد الأحمد الجابر الصباح في الثورة الفلسطينية، وقتاله في صفوفها، إلى أن عاد إلى بلاده بعد معارك أيلول 1970 بين الجيش الأردني وعناصر المقاومة الفلسطكينية، والتي أسفرت عن خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن وانتقالها إلى لبنان. ومن الجدير ذكره أن الأمير فهد الصباح  لقي مصرعه في العام 1990 وهو يقاوم الجيش العراقي الذي احتل الكويت في حينه.
ولم ينس الكاتبان الحديث عن مناضلين فلسطينيين وعرب شاركوا في المقاومة، ومنهم من سقطوا شهداء، أو وقعوا في الأسر.
الأسلوب: بداية يجدر التنويه إلى أن هذا العمل هو أقرب إلى السيرة الذاتية أو المذكرات منه إلى الرواية، والقارئ لهذا العمل سيجد أن الكاتبين اتخذا أكثر من أسلوب في كتابته، فهناك القصّ والرّويّ والحكي والتقرير الاخباري، وهذه أساليب قد لا تخلو منها أيّ رواية.
وعنصر التشويق واضح في هذا العمل.؟
وماذا بعد: يشكل هذا العمل إضافة نوعية للمكتبة الفلسطينية بشكل خاص والعربية بشكل عام.
وقال عبدالله دعيس:
الشمس تولد من الجبل. هكذا نظر موسى الشيخ إلى الشمس في طفولته؛ ذلك النور الساطع جالب النهار والدفء والطمأنينة، يخرج من جوف الجبل الذي هو رمز الشموخ والثبات، رغم الوعورة والصعوبة. فشمس الحرية لا تخرج إلا من رحم المعاناة، ولا بد لمن يبتغي العلا أن يذلل وعورة الجبال، كما قال الشابي:
وَمَنْ  لا  يُحِبّ  صُعُودَ  الجِبَـالِ        يَعِشْ  أَبَدَ  الدَّهْرِ  بَيْنَ   الحُفَـر
هذا الكتاب، الذي هو سيرة ذاتية لأحد رجال فلسطين، الذين عايشوا مرحلة مهمة من تاريخ الشعب الفلسطيني، وخبروا كثيرا من الأحداث التي مرت بهذا الشعب، وتصدوا لتدوينها كي لا يلفها النسيان في خضم الأحداث المتسارعة التي تعصف بالأمة.
موسى الشيخ، ابن قرية عقربا، بالقرب من نابلس، يولد قبيل النكبة الفلسطينية، فيعايش جيل النكبة، ويرى اللاجئين الفلسطينيين يتركون بيوتهم وأحلامهم، ويهيمون على وجوههم يتجرعون الحسرة والألم، لكنهم لا يرضون الذل والهزيمة. يدرج في قريته، فيصور لنا الحياة الاجتماعية في تلك الفترة الزمنية في القرية وكذلك في مدينة نابلس، حيث الحياة البسيطة بإيجابياتها وسلبياتها.
ثم يصور لنا نزعة الهجرة، في عهد الحكم الأردني، التي جذبت كثيرا من الشبان الفلسطينيين طلبا للرزق في دول الخليج. فكان الشيخ أحد الذين غادروا بلادهم في ريعان شبابهم إلى الكويت. لكن اعتزاز الفلسطيني بنفسه ورفضه الذل والدنية، جعله يتنقل من عمل إلى أخر نائيا بنفسه عن عمل مهين حتى لو وفر له كل المغريات المادية.
ومع بداية العمل الثوري الفلسطيني، يترك موسى الشيخ، الشاب، حياة الدعة وفرص العمل السانحة في الكويت لينضم إلى جيش التحرير الفلسطيني في العراق. وهناك يلتحم مع الجبل مرة أخرى، يختبر التدريب الشاق في رؤوس الجبال الشامخة في شمال العراق، ليكون جنديا حقيقيا ويتعلم معنى الرجولة، ليكون مستعدا لمعركة تحرير فلسطين القادمة.
تأتي حرب عام 1967، ويهرع الكاتب مع غيره من الجنود الفلسطينيين ليدافعوا عن وطنهم ولينالوا شرف المشاركة في تحرير فلسطين. لكن تدريبهم الشاق واندفاعهم وشجاعتهم، لا يكتب لها أن تختبر في ساحة الوغى، فقد سقطت باقي فلسطين بمؤامرة كبرى، اشترك بها الزعماء العرب بحماس يزيد عن حماس المنظمات الصهيونية، كما يقول الكاتب.
ما أن وضعت الحرب أوزارها حتى هب الثوار الفلسطينيون مرة أخرى، يناجزون العدو ولا يتركون له فرصة السيطرة على فلسطين والأمن في ربوعها. لكن تحركاتهم في تلك الفترة اتسمت بالعشوائية وافتقدت للتخطيط السليم والثبات.
يلتحق الكاتب بصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، آملا أن تسنح له الفرصة بقتال العدو وجها لوجه، لكن الجبهة تقرر عدم المشاركة في معركة الكرامة عام 1967 فيفوته شرف القتال والإثخان بالعدو، لذلك يتحول إلى صفوف حركة فتح التي كان لها الدور الأكبر في معركة الكرامة.
يتسلل موسى الشيخ مع مجموعة من الفدائيين إلى داخل فلسطين، ليقوموا بعمليات مخطط لها سلفا، لكنهم وبعد صراعهم المرير مع الجبال الوعرة، يقعون في قبضة كمين لجيش العدو، يقاتلون بشجاعة، ويستشهد بعضهم، لكن موسى الشيخ يقع في الأسر، ويختبر تجربة الأسر المريرة في سجون الاحتلال الصهيوني.
وهنا يتحول الحديث إلى معاناة الأسرى داخل السجون. يذكر صنوف العذاب النفسي والجسدي الذي كان يقاسيه الأسرى الفلسطينيون دون النظر إلى أدنى حقوق للإنسان، فقد حرم الأسرى الطعام والشراب اللائق وحتى الهواء لم يستطيعوا أن يتنفسوه بحرية، وحرموا من كل حقوق الأسرى التي نصت عليها القوانين الدولية والشرائع الإنسانية، خاصة في سجن عسقلان. فيخوض السجناء نضالا مضنيا، سلاحهم فيه البطون الخاوية ليحصلوا على قليل من حقوقهم، بعد أن يدفعوا ثمنا غاليا من أرواحهم.
يمكن وصف هذا الكتاب بالواقعية، فلم يحاول الكاتبان أن يصنعا أمجادا لنفسيهما ولا أن يصورا الثوار الفلسطينيين بالصفات الخارقة والقوة التي لا تقهر. بل صور الكتاب لحظات الضعف تماما كما صور لحظات القوة والصمود، ولحظات الهزيمة مثل لحظات الظفر والانتصار.
تطرق الكتاب إلى ظاهرة العملاء، فليس غريبا أن يتحول أحد عرفاء جيش التحرير الفلسطيني إلى دليل للجيش الصهيوني بعد هزيمة حزيران، وأن يتحول كثير من المخاتير في القرى الفلسطينية إلى عيون ينقلون أخبار الفدائيين إلى الصهاينة، وأن يتحول بعض السجناء، رفقاء الدرب والسلاح، إلى عملاء داخل السجون، يحصلون على اعترافات من الأسرى لم تستطع آلة البطش والتعذيب انتزاعها منهم. وفي المقابل كان هناك الكثير من الأهالي الذين غامروا بحياتهم وعائلاتهم وقدموا كل ما استطاعوا للفدائيين الذين نهضوا لعزة الوطن.
تطرق الكاتبان للخلافات التي نشبت بين الفصائل الفلسطينية داخل السجون. وكذلك المحاولات الدؤوبة لتنظيم الحراك النضالي داخل السجون بمشاركة قيادات متعددة. صور الكاتبان السجان الصهيوني المتعطش لإذلال المعتقلين وتعذيبهم وإهانتهم بأقسى الشتائم وأفظع الطرق التي تنال من كرامة الإنسان وكبريائه، لكنهما بالمقابل أشارا إلى تلك اللفتات الإنسانية التي أظهرها بعض السجانين رغم جرائمهم وإمعانهم في إذلال المعتقلين وإهانتهم وتعذيبهم وقتلهم.
لقد اختار الكاتبان أن يصنفا هذا العمل على أنه رواية، ربما لأنه لا يركز على تجربة الكاتب الفردية وشخصيته الخاصة، وإنما يتعدى ذلك ليؤرخ لمرحلة من مراحل النضال الفلسطيني، ويتحدث عن جيل كامل قضى حياته في قتال المحتل ثم في سجون الاحتلال. فبالإضافة إلى السيرة الشخصية والخبرات التي مر بها الكاتب موسى الشيخ، ينقل الكاتبان العديد من الحكايات التي سمعاها من غيرهما خاصة أثناء السجن. حيث يميل الكاتبان الى الاستطراد في رواية الأحداث والتشعب في سرد الوقائع وكأنهما يخشيا أن يفوتهما توثيق الحقيقة.
لكن الرواية، هي بدورها، سرد خيالي لأمور يمكن أن تقع في الحقيقة. والأحداث في هذا الكتاب والشخصيات هي حقيقية بعيدة عن الخيال، وهذا يضعنا في إشكالية تصنيف الكتاب كرواية أو سيرة ذاتية، وهو في حقيقته سيرة نضال وجهاد وإباء، تؤرخ لشعب رفض الذل والخنوع، وليست أحداثا يشوبها الخيال.
إن هذا الوصف الواقعي لنضال الشعب الفلسطيني في مرحلة من مراحله، بإيجابياته وسلبياته، بنجاحاته وإخفاقاته، لجدير أن يدرس بعناية ليكون نبراسا للساعين إلى القمة الطالبين للعزة، فلا بد من صعود الجبل لإدراك نور الشمس التي تولد من باطنه.
وقال رفعت زيتون:
تعودّت أن أكتب قراءة نقدية عن الرواية أو الديوان أو المجموعة القصصية التي أقرؤها.. ولكن هنا في هذه الرواية آثرت أن أكتب ما يشبه الخاطرة أو ربما العبرة أو المقالة الصحفية. وذلك لكمية الأفكار التي تجاذبتني والأحاسيس التي اختلجت في صدري، وأن أسير عبر سطور الرواية غير آبه بخطأ هنا وخطأ هناك، ومتجاوزا الحديث عن الأسلوب والبلاغة والبيان، لأن برد الموقف شلّ أزهار التفكيرلدي.
رواية (الشمس تولد من الجبل)، رواية البطولات والتضحيات، ورواية الهزائم والمؤامرات والحقائق التي اقتربت منها كثيرا.
إنها رواية الألم وسلاسل الدموع عبر السنين، تمتدّ كسلاسل الجبال في جغرافيا الوطن، تسيل لتملأ وديان فلسطين حسرة ووجعا وأنينا.
منفى يوصلنا إلى منفى، وسجن بجانب سجن، وحقيبة تعانق أختها، ولا نهاية للسفر.
تجربة واحدة تبدأ منذ الطفولة، وتسير بصاحبها إلى الشباب المقهور، ومنه إلى المشيب المنكوب، وقد تنتهي التجربة في زنزانة أو قبر أو عاهة لا شفاء منها.
ولا شيء يتغير سوى أسماء الشهداء وأعداد الأسرى وأسماء القادة الذين عادة ما يطول بهم المكوث، ولا ينالهم ما ينال العامة.
رواية ( الشمس تولد من الجبل) هي تجربة تلخص حياة كلّ فلسطينيّ، سواء من حمل السلاح بيده أو من لم تسعفه الظروف فحمله بوجدانه وهذا أضعاف العطاء.
إحتلال، سجون، اشتباكات، إضرابات، أوامر عسكرية، خطط، خطب ومنابر، مذابحُ وتهجير، شهداءُ وجرحى، أنقاض منازل، نزوح، بحر لا يرحم يستلذ بلحم البشر فيبلعه بلعا، ونحيب يملأ كل الفراغات، سيناريو يعيد ذاته لمسلسل لا تشويق فيه.
وفي كل مرّة نتجرع مرّ التجربة ولا نتعلم منها شيئا، ولا نحاسب أنفسنا أو نسمح لأحد بمحاسبتنا، لأننا نظنّ أننا لسنا من الخطّائين. فنغوص في الوحل أكثر وأكثر، إلى أن وصلنا إلى يوم وصل فيه الوحل إلى أنوفنا.
كلنا عشنا هذه الرواية أو جزءًا منها، سواء بأنفسنا أو من خلال قريب أو صديق، عبر سنينَ طوالٍ، ولكن لم يشعرني ذلك بما شعرت به وأنا أعيش التجربة خلال قراءتي للرواية في ثلاثة أيام أو أربعة. ذلك أنني في هذه العجالة رأيت المشهد كاملا، واقتربت ما يكفي من الحقيقة كيْ أغرق في بحر حزن وحسرة.
وكنت كلما اقتربت من الحقيقة أكثر، شعرت بالقذارة أكثر، خصوصا عند قراءتي لأحداثٍ وملابسات لا تفسير لها، مثل قرارات بعض القيادات التي لم تكن أبدا في محلها، بل وكانت محل استهجان الأفراد، ولعلي إذا فهمت التفسير وما خفي عليّ لكان ذلك يزيد من قذارة الموقف عليّ.
في هذه الرواية قرأت كيف أنّ مصير شعب بأكمله قد يكون رهنا بمزاج قائد هنا أو هناك، وكيف يمكن لموقف أن يغيّر مجرى التاريخ.
في هذه الرواية أدركت حقيقة الإخلاص والخيانة، وعرفت كمّ الإخلاص الذي نفتقده ونحتاجه. وكيف لو أنّ الأمة اجتمعت عليه، لأثمرت شجرتهم وأينعت قطافهم.
ولكن ( كل حزب بما لديهم فرحون)، وكلّ منهم مربوط ومرتبط بخيط خفي لا يراه العامة، بل ويحظر عليهم رؤيته أو الحديث عنه، لأنهم عندها يقعون في المحظور وربما انطفأت شمسهم خلف الجبل. خيوط لا تدري كيف تعمل ولا تعرف أين منتهاها، وربما.. أقول ربما كي لا أظلم تلك الخيوط، ربما تحرك كلّ تلك الخيوط أصابع يد واحدة.
الإخلاص موجود، وموجود بكثرة بدليل ما تعج به السجون من شرفاء مخلصين، وبدليل عدد من باتوا تحت تراب الحرية دفاعا عن الأرض والعرض، وقد امتلأت صفحات هذه الرواية بالكثير من الأسماء التي كنا على وشك نسيانها، وربما لم نعرف الكثير منها. فالإخلاص موجود على مستوى الأفراد، ولكن عندما يتعلق الأمر بالخاصة فالدوافع تكون مختلفة والأفعال تكون مختلفة، ودائما لديهم الأعذار المقنعة ودائما حجتهم لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
فالإخلاص موجود وبكثرة ولكن دونما فائدة ما دام هناك من يئده في مهده، والإخلاص موجود ولكنه يحتاج دائما إلى مدّه بالزيت كي يدوم النور.
وخلاصة القول، ماذا بعد؟
بل ماذا كان من أمر قضيتنا إلى اليوم؟
من المسؤول عمّا سبق من نكبات وهزائم؟
ومن المسؤول عن استمرارها إلى هذه اللحظة؟؟
أين الداء لكي نصف له الدواء؟
وكيف سيكون شكل المستقبل، ومن سيحدد ملامحه؟
وهل يحمل لنا الغيب ما كنا نخشى؟ أو ربما يحمل لنا ما لم يخطر لنا على بال؟
ألم يئن لقابيل الفلسطيني أن يرتوي من دمِ أخيه؟
وهل سيظل يوسف الفلسطيني تحت ظلم أخيه من المحيط إلى الخليج؟
ما هو دور الفرد؟ وما هو دور القيادة؟
ألسنا بحاجة إلى تغيير جذري وإلى قلب الطاولة وطيّ صفحات الماضي؟
ألم يحن الوقت لتمزيق أوراق أوهامنا الاستراتيجية والتكتيكية،
أيها المفكرون نحن بحاجة إلى شمس تولد من جديد، أعيدوا قراءة التاريخ من جديد
واكتبوا لنا مستقبلنا من جديد، ولكن بإخلاص وبلا خيوط لا نراها.
وجرى نقاش مطول شارك فيه كل من سامي الجندي، عامر أبو شمس ورائدة أبو صويّ.

جميل السلحوتالشمس تولد من الجبل في اليوم السابعالقدس: 18-9-2014 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية”الشمس تولد من الجبل” للكاتبين موسى الشيخ ومحمد البيروتي عام 2012 وقد الرواية عن مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس، وتقع في 304 صفحات من الحجم المتوسط.وقال جميل السلحوت:أدبيات السّجون:الكتابة عن التجربة الإعتقالية ليست جديدة على الساحة الفلسطينية والعربية وحتى العالمية، وممن كتبوا بهذا الخصوص: خليل بيدس صاحب كتاب”أدب السجون” الذي صدر بدايات القرن العشرين، زمن الانتداب البريطاني، وكتب الشيخ سعيد الكرمي قصائد داخل السجون العثمانية في أواخر العهد العثماني، كما كتب ابراهيم طوقان قصيدته الشهيرة عام 1930تخليدا للشهداء عطا الزير، محمد جمجوم وفؤاد حجازي، وكتب الشاعر الشعبي عوض النابلسي بنعل حذائه على جدران زنزانته ليلة إعدامه في العام 1937 قصيدته الشهيرة” ظنيت النا ملوك تمشي وراها رجال”  وكتب الدكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن الماضي(أوراق سجين)كما صدرت مجموعة قصص(ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمد خليل عليان في بداية ثمانينات القرن الماضي، و”أيام مشينة خلف القضبان” لمحمد احمد ابو لبن، و”ترانيم من خلف القضبان” لعبد الفتاح حمايل ، و”رسائل لم تصل بعد” لعزت الغزاوي ، وقبل”الأرض واستراح” لسامي الكيلاني، و”نداء من وراء القضبان، “و(الزنزانة رقم 706) لجبريل الرجوب، وروايات “ستائر العتمة” و “مدفن الأحياء”و”أمهات في مدفن الأحياء”وحكاية(العمّ عز الدين) لوليد الهودلي،و”رسائل لم تصل بعد” ومجموعة”سجينة”للراحل عزت الغزاوي و(تحت السماء الثامنه)لنمر شعبان ومحمود الصفدي، و”أحلام بالحرية”لعائشة عودة، وفي السنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عن ذكرياته في الأسر، وفي العام 2005صدر للنائب حسام خضر كتاب”الاعتقال والمعتقلون بين الإعتراف والصمود” وفي العام 2007 صدرت رواية “قيثارة الرمل” لنافذ الرفاعي،  ورواية”المسكوبية” لأسامة العيسة، وفي العام 2010 صدرت رواية”عناق الأصابع” لعادل سالم، وفي العام 2011 صدر”الأبواب المنسية” للمتوكل طه، ورواية “سجن السجن” لعصمت منصور،وفي العام 2012 صدرت رواية”الشمس تولد من الجبل لموسى الشيخ ومحمد البيروتي” كما صدر قبل ذلك أكثر من كتاب لحسن عبدالله عن السجون ايضا، ومجموعة روايات لفاضل يونس، وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن.  وفي العام 2013صدر كتاب”الصمت البليغ” لخالد رشيد الزبدة، وكتاب نصب تذكاري لحافظ أبو عباية ومحمد البيروتي” وفي العام 2014 رواية”العسف” لجميل السلحوت.وأدب السجون فرض نفسه كظاهرة أدبية في الأدب الفلسطيني الحديث، أفرزتها خصوصية الوضع الفلسطيني، مع التذكير أنها بدأت قبل احتلال حزيران 1967، فالشعراء الفلسطينيون الكبار محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم تعرضوا للاعتقال قبل ذلك وكتبوا أشعارهم داخل السجون أيضا، والشاعر معين بسيسو كتب”دفاتر فلسطينية” عن تجربته الاعتقالية في سجن الواحات في مصر أيضا.كما أن أدب السجون والكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة منذ القدم عربيا وعالميا أيضا، فقد كتب الروائي عبد الرحمن منيف روايتي”شرق المتوسط” والآن هنا” عن الاعتقال والتعذيب في سجون دول شرق البحر المتوسط. وكتب فاضل الغزاوي روايته” القلعة الخامسة” وديوان الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم”الفاجوجي”.ومنها ما أورده الأستاذ محمد الحسناوي في دراسته المنشورة في مجلة”أخبار الثقافة الجزائرية” والمعنونة بـ”أدب السجون في رواية”ما لاترونه”للشاعر والروائي السوري سليم عبد القادروهي (تجربة السجن في الأدب الأندلسي- لرشا عبد الله الخطيب ) و ( السجون وأثرها في شعر العرب.. –لأحمد ممتاز البزرة ) و( السجون وأثرها في الآداب العربية من الجاهلية حتى العصر الأموي- لواضح الصمد )  وهي مؤلفات تهتم بأدب العصور الماضية ، أما ما يهتم  بأدب العصر الحديث ، فنذكر منها : ( أدب السجون والمنافي في فترة الاحتلال الفرنسي – ليحيى الشيخ صالح ) و( شعر السجون في الأدب العربي الحديث والمعاصر – لسالم معروف المعوش ) وأحدث دراسة في ذلك كتاب “القبض على الجمر – للدكتور محمد حُوَّر”أما النصوص الأدبية التي عكست تجربة السجن شعرا أو نثرا فهي ليست قليلة، لا في أدبنا القديم ولا في الأدب الحديث: نذكر منها ( روميات أبي فراس الحمداني ) وقصائد الحطيئة وعلي ابن الجهم وأمثالهم في الأدب القديم. أما في الأدب الحديث فنذكر: ( حصاد السجن – لأحمد الصافي النجفي ) و (شاعر في النظارة : شاعر بين الجدران- لسليمان العيسى ) و ديوان (في غيابة الجب – لمحمد بهار : محمد الحسناوي) وديوان (تراتيل على أسوار تدمر – ليحيى البشيري) وكتاب (عندما غابت الشمس – لعبد الحليم خفاجي) ورواية “خطوات في الليل – لمحمد الحسناوي”. كما يجدر التنويه أن أدب السجون ليس حكرا على الفلسطينيين والعرب فقط ، بل هناك آخرون مثل شاعر تركيا العظيم ناظم حكمت، وشاعر تشيلي العظيم بابلونيرودا، والروائي الروسي ديستوفسكي في روايته”منزل الأموات” فالسجون موجودة والتعذيب موجود في كل الدول منذ القديم وحتى أيامنا هذه، ولن يتوقف الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
الشمس تولد من الجبل:لعل ستة الأسطر التي كتبها محمد البيروتي في مدخل الكتاب تغني عن قول الكثير فيما يتعلق بهذه الرواية، والتي كثف فيها أزمة التأريخ لمسيرة الشعب الفلسطيني المعاصرة، ولفت فيها الانتباه الى أن ما كتب حتى الآن “سيرة انحصرت في الذات” ويضيف البيروتي:”هذه محاولة لإضفاء مزيد من الضوء عبر النبش في ذاكرة عريف في جيش التحرير عايش قطاعا محددا من أحداث اتسمت بالبطولة والتضحية”.ص4. وهذا أيضا يدعو إلى التساؤل حول من كتب هذه الرواية؟ هل هو موسى الشيخ وحده، أم أن محمد البيروتي اشترك معه في كتابتها؟ وإذا ما اشترك الاثنان في كتابتها فلماذا اعتبرها البيروتي”ذاكرة عريف في جيش التحرير”؟ أم أنّ موسى الشيخ قد نبش ذاكرته، واستعاد أحداثا وقعت معه وشاركه البيروتي في صياغتها، لتخرج إلى القارئ بين دفّتي هذا الكتاب، وهذا ما أميل إليه بعد قراءة “الرّواية” التي هي عبارة عن جوانب من السيرة الذاتية لكاتبها؟ لكنّها في الأحوال كلّها صدرت باسميهما ونحن نحترم ذلك، وإن كان من حق القارئ أن يتساءل كيفما يشاء، وهذا لا ينتقص من قيمة هذا العمل، بل إن التساؤلات تكون في صالحه.المضمون: الرواية عبارة عن جوانب من السّيرة الذاتية لمناضل فلسطيني، ركّز فيها على طفولته منذ ولادته في قرية عقربا قضاء نابلس، وعمله في الزراعة والكسّارات في طفولته، ثم هجرته إلى الكويت ليعمل هناك، والتحاقه بحركة القوميين العرب، ثم التحاقه بجيش التحرير الفلسطيني، وتدريبه في معسكرات الجيش العراقي، ثم التحاقه بالثورة الفلسطينية كمقاتل في صفوف الجبهة الشعبية التي تشكلت بعد حرب حزران 1967 كذراع عسكري لحركة القوميين العرب، ثم انتقاله الى صفوف حركة فتح بعد معركة الكرامة في 21 آذار-مارس- 1968. ليكتب لنا عن مشاهداته وذكرياته عن مشاركاته ومشاركة غيره في أعمال مقاومة الاحتلال، إلى أن وقع أسيرا بعد معركة ضارية، لينتقل النضال من ساحات القتال إلى خلف القضبان في سجون الاحتلال، حتى تحريره في صفقة تبادل الأسرى عام 1985.أهمية هذا العمل: تنبع أهمية هذا العمل أنّه يسجل لبداية انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، من خلال شخص شارك فيها، وهو هنا يكتب مشاهداته وذكرياته التي عاشها وعايشها، تماما مثلما سجّل وإن بشكل سريع عن حياة الريّف الفلسطيني، من خلال ما كتبه عن طفولته في قريته عقربا قضاء نابلس، وهي قضية مهمة أيضا، خصوصا وأن الدراسات عن الحياة الاجتماعية في فلسطين تكاد تكون معدومة. والرواية هنا لم تكتب تاريخ الثورة الفلسطينية، بل كتبت شيئا من هذا التاريخ عايشه الكاتب أو كاتبا هذا العمل. كما أنّها تسجّل أيضا عن معاناة الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال بمرحلة بدايات الاحتلال.وهناك جوانب لافتة في هذا التأريخ لا يعرفه كثيرون ممّن لم يعايشوا تلك المرحلة، أو حتى عايشوها لكنهم لم يشاركوا في أحداثها، ومنها على سبيل المثال أن حركة فتح هي الفصيل الفلسطيني الوحيد الذي خاض معركة الكرامة وبقرار من قيادتها، وتحديدا بقرار من رأس حركة فتح الراحل ياسر عرفات. في حين أن هناك أفرادا من تنظيمات أخرى شاركوا في المعركة طواعية منهم وفي مخالفة واضحة لأوامر قياداتهم، كما تتحدّث عن المشاركة البطولية للجيش الأردنيّ في تلك المعركة. ومثال آخر هو مشاركة الأمير الكويتي فهد الأحمد الجابر الصباح في الثورة الفلسطينية، وقتاله في صفوفها، إلى أن عاد إلى بلاده بعد معارك أيلول 1970 بين الجيش الأردني وعناصر المقاومة الفلسطكينية، والتي أسفرت عن خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن وانتقالها إلى لبنان. ومن الجدير ذكره أن الأمير فهد الصباح  لقي مصرعه في العام 1990 وهو يقاوم الجيش العراقي الذي احتل الكويت في حينه.ولم ينس الكاتبان الحديث عن مناضلين فلسطينيين وعرب شاركوا في المقاومة، ومنهم من سقطوا شهداء، أو وقعوا في الأسر.الأسلوب: بداية يجدر التنويه إلى أن هذا العمل هو أقرب إلى السيرة الذاتية أو المذكرات منه إلى الرواية، والقارئ لهذا العمل سيجد أن الكاتبين اتخذا أكثر من أسلوب في كتابته، فهناك القصّ والرّويّ والحكي والتقرير الاخباري، وهذه أساليب قد لا تخلو منها أيّ رواية.وعنصر التشويق واضح في هذا العمل.؟وماذا بعد: يشكل هذا العمل إضافة نوعية للمكتبة الفلسطينية بشكل خاص والعربية بشكل عام.
وقال عبدالله دعيس:

الشمس تولد من الجبل. هكذا نظر موسى الشيخ إلى الشمس في طفولته؛ ذلك النور الساطع جالب النهار والدفء والطمأنينة، يخرج من جوف الجبل الذي هو رمز الشموخ والثبات، رغم الوعورة والصعوبة. فشمس الحرية لا تخرج إلا من رحم المعاناة، ولا بد لمن يبتغي العلا أن يذلل وعورة الجبال، كما قال الشابي:وَمَنْ  لا  يُحِبّ  صُعُودَ  الجِبَـالِ        يَعِشْ  أَبَدَ  الدَّهْرِ  بَيْنَ   الحُفَـرهذا الكتاب، الذي هو سيرة ذاتية لأحد رجال فلسطين، الذين عايشوا مرحلة مهمة من تاريخ الشعب الفلسطيني، وخبروا كثيرا من الأحداث التي مرت بهذا الشعب، وتصدوا لتدوينها كي لا يلفها النسيان في خضم الأحداث المتسارعة التي تعصف بالأمة. موسى الشيخ، ابن قرية عقربا، بالقرب من نابلس، يولد قبيل النكبة الفلسطينية، فيعايش جيل النكبة، ويرى اللاجئين الفلسطينيين يتركون بيوتهم وأحلامهم، ويهيمون على وجوههم يتجرعون الحسرة والألم، لكنهم لا يرضون الذل والهزيمة. يدرج في قريته، فيصور لنا الحياة الاجتماعية في تلك الفترة الزمنية في القرية وكذلك في مدينة نابلس، حيث الحياة البسيطة بإيجابياتها وسلبياتها. ثم يصور لنا نزعة الهجرة، في عهد الحكم الأردني، التي جذبت كثيرا من الشبان الفلسطينيين طلبا للرزق في دول الخليج. فكان الشيخ أحد الذين غادروا بلادهم في ريعان شبابهم إلى الكويت. لكن اعتزاز الفلسطيني بنفسه ورفضه الذل والدنية، جعله يتنقل من عمل إلى أخر نائيا بنفسه عن عمل مهين حتى لو وفر له كل المغريات المادية.ومع بداية العمل الثوري الفلسطيني، يترك موسى الشيخ، الشاب، حياة الدعة وفرص العمل السانحة في الكويت لينضم إلى جيش التحرير الفلسطيني في العراق. وهناك يلتحم مع الجبل مرة أخرى، يختبر التدريب الشاق في رؤوس الجبال الشامخة في شمال العراق، ليكون جنديا حقيقيا ويتعلم معنى الرجولة، ليكون مستعدا لمعركة تحرير فلسطين القادمة. تأتي حرب عام 1967، ويهرع الكاتب مع غيره من الجنود الفلسطينيين ليدافعوا عن وطنهم ولينالوا شرف المشاركة في تحرير فلسطين. لكن تدريبهم الشاق واندفاعهم وشجاعتهم، لا يكتب لها أن تختبر في ساحة الوغى، فقد سقطت باقي فلسطين بمؤامرة كبرى، اشترك بها الزعماء العرب بحماس يزيد عن حماس المنظمات الصهيونية، كما يقول الكاتب.ما أن وضعت الحرب أوزارها حتى هب الثوار الفلسطينيون مرة أخرى، يناجزون العدو ولا يتركون له فرصة السيطرة على فلسطين والأمن في ربوعها. لكن تحركاتهم في تلك الفترة اتسمت بالعشوائية وافتقدت للتخطيط السليم والثبات. يلتحق الكاتب بصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، آملا أن تسنح له الفرصة بقتال العدو وجها لوجه، لكن الجبهة تقرر عدم المشاركة في معركة الكرامة عام 1967 فيفوته شرف القتال والإثخان بالعدو، لذلك يتحول إلى صفوف حركة فتح التي كان لها الدور الأكبر في معركة الكرامة.يتسلل موسى الشيخ مع مجموعة من الفدائيين إلى داخل فلسطين، ليقوموا بعمليات مخطط لها سلفا، لكنهم وبعد صراعهم المرير مع الجبال الوعرة، يقعون في قبضة كمين لجيش العدو، يقاتلون بشجاعة، ويستشهد بعضهم، لكن موسى الشيخ يقع في الأسر، ويختبر تجربة الأسر المريرة في سجون الاحتلال الصهيوني.وهنا يتحول الحديث إلى معاناة الأسرى داخل السجون. يذكر صنوف العذاب النفسي والجسدي الذي كان يقاسيه الأسرى الفلسطينيون دون النظر إلى أدنى حقوق للإنسان، فقد حرم الأسرى الطعام والشراب اللائق وحتى الهواء لم يستطيعوا أن يتنفسوه بحرية، وحرموا من كل حقوق الأسرى التي نصت عليها القوانين الدولية والشرائع الإنسانية، خاصة في سجن عسقلان. فيخوض السجناء نضالا مضنيا، سلاحهم فيه البطون الخاوية ليحصلوا على قليل من حقوقهم، بعد أن يدفعوا ثمنا غاليا من أرواحهم. يمكن وصف هذا الكتاب بالواقعية، فلم يحاول الكاتبان أن يصنعا أمجادا لنفسيهما ولا أن يصورا الثوار الفلسطينيين بالصفات الخارقة والقوة التي لا تقهر. بل صور الكتاب لحظات الضعف تماما كما صور لحظات القوة والصمود، ولحظات الهزيمة مثل لحظات الظفر والانتصار. تطرق الكتاب إلى ظاهرة العملاء، فليس غريبا أن يتحول أحد عرفاء جيش التحرير الفلسطيني إلى دليل للجيش الصهيوني بعد هزيمة حزيران، وأن يتحول كثير من المخاتير في القرى الفلسطينية إلى عيون ينقلون أخبار الفدائيين إلى الصهاينة، وأن يتحول بعض السجناء، رفقاء الدرب والسلاح، إلى عملاء داخل السجون، يحصلون على اعترافات من الأسرى لم تستطع آلة البطش والتعذيب انتزاعها منهم. وفي المقابل كان هناك الكثير من الأهالي الذين غامروا بحياتهم وعائلاتهم وقدموا كل ما استطاعوا للفدائيين الذين نهضوا لعزة الوطن.تطرق الكاتبان للخلافات التي نشبت بين الفصائل الفلسطينية داخل السجون. وكذلك المحاولات الدؤوبة لتنظيم الحراك النضالي داخل السجون بمشاركة قيادات متعددة. صور الكاتبان السجان الصهيوني المتعطش لإذلال المعتقلين وتعذيبهم وإهانتهم بأقسى الشتائم وأفظع الطرق التي تنال من كرامة الإنسان وكبريائه، لكنهما بالمقابل أشارا إلى تلك اللفتات الإنسانية التي أظهرها بعض السجانين رغم جرائمهم وإمعانهم في إذلال المعتقلين وإهانتهم وتعذيبهم وقتلهم.لقد اختار الكاتبان أن يصنفا هذا العمل على أنه رواية، ربما لأنه لا يركز على تجربة الكاتب الفردية وشخصيته الخاصة، وإنما يتعدى ذلك ليؤرخ لمرحلة من مراحل النضال الفلسطيني، ويتحدث عن جيل كامل قضى حياته في قتال المحتل ثم في سجون الاحتلال. فبالإضافة إلى السيرة الشخصية والخبرات التي مر بها الكاتب موسى الشيخ، ينقل الكاتبان العديد من الحكايات التي سمعاها من غيرهما خاصة أثناء السجن. حيث يميل الكاتبان الى الاستطراد في رواية الأحداث والتشعب في سرد الوقائع وكأنهما يخشيا أن يفوتهما توثيق الحقيقة. لكن الرواية، هي بدورها، سرد خيالي لأمور يمكن أن تقع في الحقيقة. والأحداث في هذا الكتاب والشخصيات هي حقيقية بعيدة عن الخيال، وهذا يضعنا في إشكالية تصنيف الكتاب كرواية أو سيرة ذاتية، وهو في حقيقته سيرة نضال وجهاد وإباء، تؤرخ لشعب رفض الذل والخنوع، وليست أحداثا يشوبها الخيال.إن هذا الوصف الواقعي لنضال الشعب الفلسطيني في مرحلة من مراحله، بإيجابياته وسلبياته، بنجاحاته وإخفاقاته، لجدير أن يدرس بعناية ليكون نبراسا للساعين إلى القمة الطالبين للعزة، فلا بد من صعود الجبل لإدراك نور الشمس التي تولد من باطنه.
وقال رفعت زيتون:
تعودّت أن أكتب قراءة نقدية عن الرواية أو الديوان أو المجموعة القصصية التي أقرؤها.. ولكن هنا في هذه الرواية آثرت أن أكتب ما يشبه الخاطرة أو ربما العبرة أو المقالة الصحفية. وذلك لكمية الأفكار التي تجاذبتني والأحاسيس التي اختلجت في صدري، وأن أسير عبر سطور الرواية غير آبه بخطأ هنا وخطأ هناك، ومتجاوزا الحديث عن الأسلوب والبلاغة والبيان، لأن برد الموقف شلّ أزهار التفكيرلدي.رواية (الشمس تولد من الجبل)، رواية البطولات والتضحيات، ورواية الهزائم والمؤامرات والحقائق التي اقتربت منها كثيرا.إنها رواية الألم وسلاسل الدموع عبر السنين، تمتدّ كسلاسل الجبال في جغرافيا الوطن، تسيل لتملأ وديان فلسطين حسرة ووجعا وأنينا.منفى يوصلنا إلى منفى، وسجن بجانب سجن، وحقيبة تعانق أختها، ولا نهاية للسفر.تجربة واحدة تبدأ منذ الطفولة، وتسير بصاحبها إلى الشباب المقهور، ومنه إلى المشيب المنكوب، وقد تنتهي التجربة في زنزانة أو قبر أو عاهة لا شفاء منها.ولا شيء يتغير سوى أسماء الشهداء وأعداد الأسرى وأسماء القادة الذين عادة ما يطول بهم المكوث، ولا ينالهم ما ينال العامة.رواية ( الشمس تولد من الجبل) هي تجربة تلخص حياة كلّ فلسطينيّ، سواء من حمل السلاح بيده أو من لم تسعفه الظروف فحمله بوجدانه وهذا أضعاف العطاء.إحتلال، سجون، اشتباكات، إضرابات، أوامر عسكرية، خطط، خطب ومنابر، مذابحُ وتهجير، شهداءُ وجرحى، أنقاض منازل، نزوح، بحر لا يرحم يستلذ بلحم البشر فيبلعه بلعا، ونحيب يملأ كل الفراغات، سيناريو يعيد ذاته لمسلسل لا تشويق فيه.وفي كل مرّة نتجرع مرّ التجربة ولا نتعلم منها شيئا، ولا نحاسب أنفسنا أو نسمح لأحد بمحاسبتنا، لأننا نظنّ أننا لسنا من الخطّائين. فنغوص في الوحل أكثر وأكثر، إلى أن وصلنا إلى يوم وصل فيه الوحل إلى أنوفنا.كلنا عشنا هذه الرواية أو جزءًا منها، سواء بأنفسنا أو من خلال قريب أو صديق، عبر سنينَ طوالٍ، ولكن لم يشعرني ذلك بما شعرت به وأنا أعيش التجربة خلال قراءتي للرواية في ثلاثة أيام أو أربعة. ذلك أنني في هذه العجالة رأيت المشهد كاملا، واقتربت ما يكفي من الحقيقة كيْ أغرق في بحر حزن وحسرة.وكنت كلما اقتربت من الحقيقة أكثر، شعرت بالقذارة أكثر، خصوصا عند قراءتي لأحداثٍ وملابسات لا تفسير لها، مثل قرارات بعض القيادات التي لم تكن أبدا في محلها، بل وكانت محل استهجان الأفراد، ولعلي إذا فهمت التفسير وما خفي عليّ لكان ذلك يزيد من قذارة الموقف عليّ.في هذه الرواية قرأت كيف أنّ مصير شعب بأكمله قد يكون رهنا بمزاج قائد هنا أو هناك، وكيف يمكن لموقف أن يغيّر مجرى التاريخ.في هذه الرواية أدركت حقيقة الإخلاص والخيانة، وعرفت كمّ الإخلاص الذي نفتقده ونحتاجه. وكيف لو أنّ الأمة اجتمعت عليه، لأثمرت شجرتهم وأينعت قطافهم.ولكن ( كل حزب بما لديهم فرحون)، وكلّ منهم مربوط ومرتبط بخيط خفي لا يراه العامة، بل ويحظر عليهم رؤيته أو الحديث عنه، لأنهم عندها يقعون في المحظور وربما انطفأت شمسهم خلف الجبل. خيوط لا تدري كيف تعمل ولا تعرف أين منتهاها، وربما.. أقول ربما كي لا أظلم تلك الخيوط، ربما تحرك كلّ تلك الخيوط أصابع يد واحدة.الإخلاص موجود، وموجود بكثرة بدليل ما تعج به السجون من شرفاء مخلصين، وبدليل عدد من باتوا تحت تراب الحرية دفاعا عن الأرض والعرض، وقد امتلأت صفحات هذه الرواية بالكثير من الأسماء التي كنا على وشك نسيانها، وربما لم نعرف الكثير منها. فالإخلاص موجود على مستوى الأفراد، ولكن عندما يتعلق الأمر بالخاصة فالدوافع تكون مختلفة والأفعال تكون مختلفة، ودائما لديهم الأعذار المقنعة ودائما حجتهم لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.فالإخلاص موجود وبكثرة ولكن دونما فائدة ما دام هناك من يئده في مهده، والإخلاص موجود ولكنه يحتاج دائما إلى مدّه بالزيت كي يدوم النور.وخلاصة القول، ماذا بعد؟بل ماذا كان من أمر قضيتنا إلى اليوم؟من المسؤول عمّا سبق من نكبات وهزائم؟ومن المسؤول عن استمرارها إلى هذه اللحظة؟؟أين الداء لكي نصف له الدواء؟وكيف سيكون شكل المستقبل، ومن سيحدد ملامحه؟وهل يحمل لنا الغيب ما كنا نخشى؟ أو ربما يحمل لنا ما لم يخطر لنا على بال؟ألم يئن لقابيل الفلسطيني أن يرتوي من دمِ أخيه؟وهل سيظل يوسف الفلسطيني تحت ظلم أخيه من المحيط إلى الخليج؟ما هو دور الفرد؟ وما هو دور القيادة؟ألسنا بحاجة إلى تغيير جذري وإلى قلب الطاولة وطيّ صفحات الماضي؟ألم يحن الوقت لتمزيق أوراق أوهامنا الاستراتيجية والتكتيكية،أيها المفكرون نحن بحاجة إلى شمس تولد من جديد، أعيدوا قراءة التاريخ من جديدواكتبوا لنا مستقبلنا من جديد، ولكن بإخلاص وبلا خيوط لا نراها.وجرى نقاش مطول شارك فيه كل من سامي الجندي، عامر أبو شمس ورائدة أبو صويّ.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات